أهمية الأرشيف للدول والشعوب و الأسس الوطنية والمؤسسية والمنهجية والأخلاقية والفلسفية التي بني عليها المركز الليبي للأرشيف
سأقتصر في هذه المصافحة على أهمية الأرشيف وعلى الأبعاد التي بني عليها المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية (مركز الجهاد سابقاً) فأقول :
أولاً – أهمية الأرشيف :
في ثقافة النخيل، التي تغطي الجانب الأكبر من الليبيين، متى اضطربت العلاقة بين جذور النخلة في التربة وثاجها في السماء تصاب بعدة تغيرات في المظهر والإنتاج وتعَّرف وقتها بالنخلة المنشوفة بمعنى الفاقدة للعقل أي التواصل بين الجذور والفروع .
وفي الثقافة الحضرية الإنسان الذي ينقطع التواصل بين عقله ولسانه يعرف بالمهبول لأنه فقد كل ذاكرته .
الشعب الذي لا يحافظ على تجاربه المكونة لعقله الجماعي، داخل وعاء الأرشيف يفقد هو الأخر الإدراك والوعي ويصبح مهبول ومنشوف. كما حال الكثيرين في منطقتنا، فالتنمية التي نلهت ورائها مند عقود سوف لن نحصل عليها من المكاتب الاستشارية الخارجية بل من مخزوننا الثقافي والحضاري المجَمَع والمغَربَل داخل المؤسسات الأرشيفية والدراسية المحلية.
في العصر الحديث، وباستثناء الدول الجديدة المختلقة، فأن الدول ذات الخلفيات التاريخية الطويلة والمتوسطة تحرص السلطة فيها على شيئين : خلفية تاريخية — وإستراتيجية مستقبلية .
الأولى مقرها الأرشيف لحفظ تجارب الماضي، والثانية مقرها وحدة المعلومات المركزية DATA CENTER . في ليبيا الأرشيف في بداياته ومركز أو وحدة المعلومات المركزية لم يباشر فيها بعد بشكل جدي.
الدولة لكي تتعافى من كثير من حيرتها الحالية عليها الاهتمام بالأرشيف أي تجارب الماضي وامتداداته في وحدة المعلومات المركزية. في المركز الليبي (مركز الجهاد) للأرشيف بدأنا بالجمع والدراسة وبعد أربعة سنوات توقف التكوين الأكاديمي واستمر الجمع. جمعنا ثلاثين مليون وثيقة حتى الآن عن ليبيا، ولكي يستفاد منها الفائدة المرجوة يجب تحويلها إلى تقنية رقمية تسهل وتوسع دائرة الانتشار، وكل العملية بمئات الآلاف من الدنانير وليست بالملايين ومع ذلك لازلنا ننتظر.
نحن في المركز نتلقى كل يوم السباب والشتائم لعدم تجاوبنا السريع مع طلبات المواطنين العلمية والاجتماعية وغيرها، ونحن لا نلومهم لأن صاحب الحاجة أهوج، لكن على الجميع أدراك أننا أرشيف ولسنا أملاك ولا عقارات وأن الأرشيف الليبي يتحرك فيه أقل من مئة باحث وموظف بينما سلطنة عمان عندهم أكثر من ألف أستاذ وباحث وفني وموظف مع آلات عصرية في التخزين والحفظ والتنظيم والرقمنة.
هذا عن أهمية الأرشيف للتنمية
ثانياً – أما عن الأبعاد الوطنية والمؤسسية والمنهجية والفلسفية والأخلاقية التي بني عليها المركز فسنوجزها في الآتي :
البعد الوطني للمركز
-البعد الوطني للمركز :
البعد الوطني استند إلى ثلاثة مرجعيات :
1-المرجعية الوطنية القائمة على ليبيا الواحدة المواحدة.
2-المرجعية الثقافية المبنية على الإسلام .
3-المرجعية اللغوية وهي اللغة العربية دون إقصاء للآخر
لقوله (صلعم) : العربية لسان .
ومن يتبصر في شعار المركز سيري أن كل هذه المرجعيات ممثلة فيه علاوة على مؤسسيه ومنفذيه وأعضاء مجلس إدارته وهم ليبيون من كل الجهات مع فروع حيث ما أمكن فتح فروع للمركز مادياً.
البعد المؤسسي للمركز
أو المأسسة والشخصنة
-المركز عمل جماعي بامتياز وهذا هو الفرق بين المأسسة أي العمل للمؤسسة والشخصنة أي التركيز على الشهرة الشخصية:
المركز مقترح تقدم به مواطن ، تكونت في الجامعة لجنة علمية، عالية التخصصات من عشرة أساتذة، ناقشته ووافقت عليه، عرض بعدها على الدولة فوافقت عليه هي الأخرى وتولت تمويله ، تولى بعدها تنفيذ الفكرة مجموعة من الشباب تجددت في كل فترة حتى وصلت بالمركز إلى ما هو عليه الآن
وبسبب هذا البعد المؤسسي للمركز فقدنا الكثير من الزملاء الأفاضل.
البعد المنهجي للمركز
أو مدرسة العدالة الانتقالية
وهنا لابد من التفريق بين المنهج والفلسفة منهجيا تعلمنا كثيراً من الغرب فالمركز بني أساسا على منهجية مدرسة العدالة الانتقالية وهي التي تؤكد على الضوابط المنهجية في المدارس التاريخية الحديثة وتزيد عليها ببعد عدلي يقوم على أساس أن المدرسة التاريخية الحديثة تؤكد على الموضوعية المبنية على الوثائق المستمدة في معظمها من الجهات الرسمية. مدرسة العدالة الانتقالية التي تبناها المركز، تمسكت بالضوابط المنهجية لكنها زادت عليها مصدريا بإضافة الرواية الشفوية والاستبيانات التاريخية والوثائق الأسرية كمصادر ضرورية للتعرف على وجهة نظر القاعدة الشعبية، المجني عليها أحيانا، ومقارنتها بالوثائق الرسمية لمعرفة الحقيقة.
وهذا ما تبناه المركز ونفذه من جمع للوثائق الرسمية ، إضافة إلى الرواية الشفوية والاستبيانات التاريخية والوثائق الأسرية.
وعن طريق هذه المدرسة التاريخية أي مدرسة العدالة الانتقالية جمعنا ملايين الوثائق التي ناقشنا فيها الجانب الايطالي علمياً في مئات وربما آلاف المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمعارض، واستطاع عن طريقها النظام السياسي أن يتقدم بثقة للمطالبة بحق الليبيين في الاعتراف والاعتذار والتعويض من الايطاليين.
وهذا ما حدث بالفعل ما بين 1998- 2009م، في الاتفاقيات مع الايطاليين.
البعد الأخلاقي للمركز
-البعد الأخلاقي للمركز :
المركز قام على مثلث أخلاقي لم يَحِد عنه مند التأسيس، وهذه هي زوايا هذا المثلث:
•العلاقة مع الله: مراعاة الله في كل كبيرة وصغيرة، وأسمه الجليل
“الله جل جلاله”
هو الشعار المثبت في المدخل الخارجي للمركز منذ التأسيس حتى الآن .
•العلاقة مع عباد الله : الإدارة شبه الوحيدة التي لم تقفل بابها أمام أي أحد رغم ما سببه ويسببه ذلك من متاعب ومخاطر . كما أن التعامل البيني داخل المؤسسة قائم على شعرة معاوية أو القوة الناعمة كما تسمى حالياً
•الثقة بالنفس : لابد من التمسك بخصوصيتك أمام الجميع بما فيها النظام الذي احترم خصوصيتنا حتى في التسيير الإداري والعلمي والفلسفي والمنهجي والوطني.
البعد الفلسفي للمركز
-البعد الفلسفي للمركز :
1.الفلسفة يجب أن تبنى على قيم وتراث الليبيين .
فلسفياً أختلف المركز كثيراً عن الجانب الايطالي الأوربي المبنية فلسفته على الثقافة الكلاسيكية المسيحية واليهودية .
القيم الإنسانية تتفق في المعاني العامة لكنها تختلف في التأويلات والتطبيق، لهذا على الفلسفة التاريخية أن لا تبنى بعيداً عن قيم وتراث أصحاب التاريخ مثلا HAMMELTON أو DANIEL-LERNER يرفضان أمكانية التطوير والتحديث للمجتمعات الإسلامية بالفكر الإسلامي السائد، وعليه عليها الاقتداء والتقليد للغرب، واعتبراً حركات المقاومة للاستعمار حركات غير عقلانية تضر بالشعوب وتؤخرها.
ومن مقابلة إذاعية للأستاذ ببرنارد لويس مع وكالة الإنباء الأمريكية بتاريخ 20/5/2005م، قال الآتي :
“أن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم ، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوص المجتمعات” .
“أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية الإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم” .
وأنهي المقابلة بقوله :
” أما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا”.
،،،،، عليــــــــــــــــــه ،،،،،
المطلوب من المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية جمع أكبر قدر من المصادر الداخلية والخارجية ودراستها بموضوعية ومنهجية والخروج من هذه الفوضى في الأحداث والأسباب بفلسفة تاريخية مبنية على مخزوننا التراثي الوطني والإقليمي والإنساني. وهذا يتطلب رقمنة المحتوى لتسهيل الاطلاع والإكثار من الخبرات العلمية الراقية حول المركز .
،،،،،والســــــــــلام عليكـــــــــــم ،،،،،